العفو هو التفضل على المخطئ والمسيء بالمسامحة والتجاوز، وعدم معاقبته أو معاملته بالمثل. وهو صفة من صفات الله تعالى وسِمَة من سمات منهجه سبحانه. فهو عزّ وجلّ يصف نفسه بكونه {عَفُوًا غَفُورًا}، {وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}، {وَيَعْفُو عَنْ السَّيِّئَاتِ}.
ومن عفوه الخاص في رمضان ما جاء في قوله تعالى: {عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ}.
وفي رمضان أيضًا سألت السيدة عائشة رضي الله عنها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالت: قلت يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: قولي: ''اللّهمّ إنّك عفو تحب العفو فاعف عنّي'' (حديث صحيح رواه الترمذي). فالله تعالى متصف بالعفو، متصرف بالعفو، يعفو كثيرًا ويعفو عن كثير، ويحب من عباده طلب عفوه ورجاء عفوه. ولكنّه أيضًا يحب العفو من عباده مع بعضهم، يُحب أن يتصف عباده بالعفو فيما بينهم.
وقد حدثنا الله تعالى عن العفو ورغّبنا فيه بأشكال عديدة وفي آيات متعددة من كتابه العزيز، كما في قوله: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنْسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} فمَن أراد تحصيل التّقوى وبلوغ درجة المتقين، فإنّ مسلك العفو وخلق العفو طريق من طرق التقوى.
وقد نبّهت الآية إلى أن من موجبات العفو استحضار ما للمُخطئ من محاسن وفضائل وما سبق بينك وبينه من خير وفضل؛ فينبغي أن لا يكون العيب أو الخطأ ماحيًا أو ماحقًا ولاغيًا لفضائل النّاس وحسناتهم، وإذا كان كذلك، فيجب أن تشفع حسناتهم لأخطائهم، وأن تشفع فضائلهم لعيوبهم: {إِنَّ الْحَسَنَات يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}؛ فلذلك فاعفوا ولا تنسوا الفضل بينكم.وهذا هو خلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والأنبياء من قبله، كما جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: ''كأنّي أنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحكي نبيًا من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: ''اللّهمّ اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون'' (متفق عليه).