نعم.. شرف المؤمن هو قيام الليل، تلك العبادة الّتي تصل القلب بالله وتجعله قادرًا على التّغلب على مغريات الحياة وعلى مجاهدة النّفس. ففي الوقت الّذي تهدأ فيه الأصوات وتنام العيون ويتقلّب البطالون على الفرش، حينها يهب قوّام الليل من فرشهم الوثيرة وسررهم المريحة، يُكابدون الليل والتعب.. ''إنّه دأب الصالحين، وهو القربة إلى ربّ العالمين، والمنهاة عن الإثم، والمكفّر للسيّئات، وهو مطردة للداء من الجسد'' هكذا أخبر الحبيب المصطفى صلّى الله عليه وسلّم.
اقرأ وتدبّر ما قاله الله تعالى في أهل قيام الليل تعظيمًا لهم وتنويهًا بشأنهم: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ × وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} وقال سبحانه: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا}.. ولعلّك يا قائم الليل توافق تلك السّاعة الّتي ينزل فيها الملك المتعال نزولاً يليق بجلاله فيقول: ''مَن يدعوني فأستجيب له، مَن يسألني فأعطيه، مَن يستغفرني فأغفر له'' رواه البخاري ومسلم.
وصلاة الليل في رمضان لها فضيلة ومزية على غيرها لقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ''مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدّم من ذنبه'' رواه البخاري ومسلم، ويقول صلّى الله عليه وسلّم: ''مَن قام مع الإمام حتّى ينصرف كتب له قيام ليلة'' رواه أهل السنن. ولله در الفضيل بن عياض وهو يعرض وضعًا شعوريًا إيمانيًا بديعًا؛ حيث يقول: ''أدركتُ أقوامًا يستحيون من الله في سواد هذا الليل من طول الهجعة، إنّما هو على الجنب فإذا تحرّك قال: ليس هذا لكِ، قومي خُذِي حظَّكِ من الآخرة''.
ولا تنسَ أنّهم كانوا بذلك التعب يتلذّذون، وبالقيام يفرَحون، وبعيون غير أعيننا إلى الليل ينظرون. فهو عندهم موطن تنتعش فيه الأرواح، وتبتهج وترتاح، وتتقلّب بين مسرات وأفراح، وتكثر من المساءلة والإلحاح. فهي قائمة بين يدي خالقها، عاكفة على مناجاة بارئها، تتنسّم من تلك النفحات، وتقتبس من أنوار تلك القُرُبات، وما يَرِدُ عليها في تلك المقامات.
ولذا جاءت وصاياهم وقد عملوا، وتذكيرهم وقد اعتبروا، وحثّهم وقد سبقوا، فها هو الحسن ينادي بِكُمْ قائلاً: ''كابِدوا الليل، ومدوا الصّلاة إلى السحر، ثمّ اجلسوا في الدعاء والاستكانة والاستغفار''.
اللهم اجعلنا من قيامه .....يا رب....