للصيام معانٍ عظيمة ومقاصد سامية، لو تأمّلناها وتفكرنا فيها مليًا لطال عجبنا منها، ولأدركنا مدى عظمة هذا التشريع. وربّما ندرك قليلاً منها، ويخفَى علينا أكثرها، فمنها: تحقيق معنى العبودية لله تبارك وتعالى والاستسلام له؛ ولهذا كان الصيام أحد أركان الإسلام؛ فالإسلام لا يتم إلاّ بالصيام، والصيام فيه تدريب العبد على الطاعة والامتثال، وتذكيره بأنّه عبد لله تبارك وتعالى لا لغيره. الصوم مرتبط بالإيمان، فهو عبادة سرية بين العبد وبين ربّه؛ فالصائم بإمكانه ألاّ يصوم إن شاء، سواء بمأكول أو مشروب أو بمجرد النية، وإن أمسك طوال نهاره، وظهر للنّاس أنه صائم. فامتناع العبد عن المفطرات مع قدرته عليها خفية، دليل استشعاره باطلاع ربّه على سرائره وخفاياه. أنه يربّي العبد على التّقوى؛ ولهذا قال الله جلّ جلاله: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} لأن الصائم يتذكّر أنّه لا يشرب ولا يأكل مع أن هذا في الأصل مباح له؛ لأنه مرتبط مع الله سبحانه وتعالى بوعد، فهو ممسك ابتغاء ثواب الله سبحانه، فمن باب أولى أن يكفّ عن المعاصي التي يعرف أنها محرمة في كل الظروف. الصوم تربية للمجتمع؛ فالصائم عندما يرى من حوله صيامًا يحس بتلاحم المجتمع بجانب عبادي يلتقي عليه الجميع. الصيام يُربِّي العبد على التطلع إلى الدار الآخرة. حيث يترك الصائم بعض الأمور الدنيوية تطلّعًا إلى ما عند ربّه من الأجر والثواب. الصوم يُربّي الإنسان على قوة الإرادة والصبر، ولذلك سُمّي شهر رمضان شهر الصبر {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} (البقرة: 45). الصوم يقمع الشهوة، ولهذا جاء في الحديث أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ''يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ'' (رواه البخاري ومسلم).
الآثار النفسية والبدنية المترتبة عليه، وهي كثيرة جدًا، فقد يتكلم بعض الأطباء عن الصيام وأثره على البدن، وتنظيم الطعام، وأنه نوع من الحمية، وقد يوصي به بعض أهل الطب. ولا شك أن هذه الأشياء من الفوائد التابعة، كما يقال مثل هذا عن الصّلاة أو عن الحج أو عن غيرها.